الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
اللغة من تكريم الله للإنسان وهي أداة اتصالٍ راقية جداً:
أيها الإخوة الكرام؛ مع الدرس الثاني من سورة البقرة.
﴿ الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)﴾
أيها الإخوة الكرام؛ الكتاب هو الذي يُحْفَظُ في السطور، ويُقرأ مدى الدهور، والقرآن هو الذي يُحفظ في الصدور، ويُقرأ، فالقرآن والكتاب اسمان لشيءٍ واحد؛ لكن هذا يُذَكِّرنا بقوله تعالى:
﴿ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)﴾
البيان اللُّغة، واللغة من تكريم الله للإنسان؛ أداة اتصالٍ بين أفراد النوع، أداة اتصال راقية جداً، أداةٌ يعبِّر بها الإنسان عن فكره وشعوره، أداةٌ اجتماعية؛ يتَّصل الإنسان مع الآخرين عن طريق اللغة، لو أن اللغة تقتصر على أن تُلقي، وأن تُسمع، لما انتقلت ثقافةٌ من جيلٍ إلى جيل، ولا من أمةٍ إلى أمة، لذلك قال تعالى:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ(4)﴾
البيان من أخصّ خصائص الإنسان:
اللغة حديثٌ واستماع، واللغة كتابةٌ وقراءة؛ حينما مَكَّنَ الله الإنسان من أنْ يكتب اللغة، ومن أن يقرأ المكتوب، معنى ذلك هذه الـعلوم التي بين يدي الإنسان انتقلت من جيلٍ إلى جيل، ومن عصرٍ إلى عصر، وعن طريق الترجمة من أمةٍ إلى أمة، فالإمام القُرطبي مثلاً صاحب التفسير المشهور لو لم يكن هناك كتابة أين علمه؟ ضاع بموته، أيُّ عالمٍ صَبَّ علمه في كتاب، هذا الكتاب انتفع به أبناء عصره الذين لم يلتقوا به، وانتفع به الذين جاؤوا بعده إلى يوم القيامة، وانتفعت به الأمم الأخرى عن طريق الترجمة، إذاً معنى قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ البيان من أخصّ خصائص الإنسان، وهو من تكريم الله للإنسان؛ عَلَّمك أن تنطق، وعلَّمك أن تفهم الكلام الذي ينطقه غيرك، وعلّمك أن تكتب، وعلّمك أن تقرأ المكتوب؛ فلذلك الكتاب محفوظٌ في السطور، ويُقرأ على مدى الدهور، والقرآن محفوظٌ في الصدور، ويُقْرَأُ بلسانٍ عربيٍ مبين.
فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه:
أيها الإخوة؛ أما كلمة الكتاب
﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ هذه (أل) العهد، أيْ هذا الكتاب الذي يتميَّز عن كتب أهل الأرض من آدم إلى يوم القيامة،
أيُّ كتابٍ ألَّفه إنسان، أدخل إلى أضخم مكتبةٍ في العالم، كل هذه الكتب في كفة، وهذا القرآن في كفةٍ أخرى؛ إنه كلام الله، وفضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه؛ لذلك هذا الكتاب هو كتابنا المقرر، هو أساس سعادتنا، هو منهجنا، هو دستورنا، هو حبل الله المتين، هو الصراط المستقيم، هو النور المبين؛ لا تنس هذه المقولة: فضل كلام الله على كلام خلقه، اِقتنِ أعلى كتاب ألَّفه إنسان في العالم، المؤلف إنسان لكن هذا القرآن من عند خالق الأكوان.
(( يقول النبي عليه الصلاة والسلام: عَنْ عُثْمَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ. ))
خيركم على الإطلاق.
الجهاد الكبير هو نشر كتاب الله وتبيانه وشرحه وحَمْل الناس على تطبيقه:
الجهاد ذِرْوة سنام الإسلام، أعلى شيء في الإسلام الجهاد، وسمَّى الله نشر هذا الكتاب وتِبيانَه للناس، وتفسيره، وشرحه، وسمّى حَمْل الناس على تطبيقه سمَّى ذلك: جهاداً كبيراً، فقال تعالى:
﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)﴾
والشقي كلُّ الشقي الذي جاء إلى الدنيا، وخرج منها، ولم يفهم كلام الله، ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ هذه (أل) العهد، أيْ كتاب الله، هذا الكتاب متميِّز عن كتب بني البشر قاطبةً؛ ما من كتابٍ على وجهِ الأرض إلا فيه خطأ، وفيه صواب، أما الكتاب الذي لا ريب فيه لن تجد في هذا الكتاب حرفاً ثبت أنه خطأ، لأنه كلام خالق البشر.
ابتعاد القرآن الكريم عن الخلل لأنه كلام خالق البشر:
أنا أقول لكم هذه الكلمة: مهما كان المؤلف عظيماً، قد تكون معطيات العصر الذي أُلِّف فيه الكتاب واضحةً، فإذا قرأت كتابه بعد مئة عام وجدت فيه خللاً؛ هذا الكتاب الذي أنزله الله على النبي صلى الله عليه وسلم منذ أربعة عشر قرناً، هل في تقدُّم العلوم المُذهل في كل أنواع العلوم؛ في الفلك، وفي الطب، وفي علم القارَّات، وفي الجيولوجيا، وفي التاريخ، هل هناك حقيقةٌ علميةٌ قاطعةٌ صَدَمت آيةً قرآنية؟ مستحيل، لأنه كلام خالق البشر؛ افتراضاً لو أن هذا الكلام كلام النبي عليه الصلاة والسلام قال تعالى:
﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)﴾
والخيل أمام النبي، ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾ هذا الشيء موجود في الجزيرة العربية، لو كانت هذه الآية من صنع النبي، لانتهت عند هذا الحد، ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾ لم يكن في عهد النبي طائرة، ولم يكن في عهد النبي سيَّارة، ولم يكن في عهد النبي حَوَّامة، ولم يكن في عهد النبي مركبة فضائية، لأنه كلام خالق الكون، قال تعالى: ﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ فالذي يركب طائرةً ويقرأ هذه الآية يرى أن الطائرة دخلت في هذه الآية، والذي يركب مركبةً فخمة ويقرأ هذه الآية يرى أن المركبة دخلت في هذه الآية، لأنه كلام خالق البشر.
من استوعب كلام خالق البشر سعد به في الدنيا والآخرة:
يقول الله عزَّ وجل:
﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)﴾
الإنسان يعجَب، لِمَ لَمْ يقل الله عزَّ وجل: من كل فجٍ بعيد؟ القصد أن الفج بعيد، لكن لأن الأرض كرة كلما ابتعدت عن إحدى نقاطها صار البعد عمقاً.
﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)﴾
إذاً هذا الكتاب غير كتب أهل الأرض، وما أتعس الذي أمضى حياته مع كتبٍ من صنع بشر؛ أمضى حياته في الأدب، في الشعر، في القصة، كل هذا من صنع البشر، أما إذا استوعب كلام خالق البشر سعد به في الدنيا والآخرة .
تميز القرآن الكريم عن كل الكتب السماوية السابقة:
شيءٌ آخر؛ ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ و(أل) العهد، أي هذا الكتاب متميزٌ عن كل الكتب السماوية السابقة، كيف؟ اِئتمن الله البشر على الكتب السماوية السابقة لحكمةٍ أرادها، ولأن معجزة النبي شيء، والكتاب الذي أُنزل عليه شيءٌ آخر؛ معجزة سيدنا عيسى أنه أحيا الموتى؛ ومعجزة سيدنا موسى أنه ضَرَبَ البحر فكان طريقاً يبساً، والأفعى، والعصا، إلى آخره، فالمعجزة شيء، والكتاب الذي نُزِّل عليه شيءٌ آخر، الكتب السماوية اِئتمن الله البشر عليها، بينما القرآن الكريم يتمَيَّز من بين الكتب السماوية أن الله تولّى حفظه بذاته، قال:
﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)﴾
القرآن الكريم هو المُهَيمن على كل الكتب الأخرى:
لذلك لا يمكن أن يستطيع بشر أن يبدِّل حرفاً واحداً، ولا أن يبدِّل حركةً، ولا أن يضع آيةً مكان آية، وليس معنى حفظ الله عزَّ وجل لهذا القرآن أنه لا تجري محاولةٌ لتغييره، الآن في الإنترنت سور اِدّعى الذي وضعها أنها من سورة البقرة، رقم ثلاث وعشرين، ولا علاقة لها بالقرآن إطلاقاً؛ الأمر يكشفه الأطفال، وفي درسٍ آخر إن شاء الله أقرأ عليكم هذه السور التي افتعلها أعداء الدين، وجعلوها كأنها سور من كتاب الله عزَّ وجل؛ أنا إذا قرأتها أمام طفل يكشف أنها اِدِّعاء وكذب، أمام طفل من المسلمين؛ إذاً هذا الكتاب كتاب الله عزَّ وجل يتميز عن بقية الكتب السماوية أن الكتب السماوية اِئتمن الله خَلْقَهُ على حفظها، فما الذي حصل؟
﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13)﴾
أو بدلوا وحرَّفوا لأهوائهم، فالكتب السماوية السابقة غاب منها قسم وحُرِّف وبُدِّل منها قسمٌ آخر، إذاً ليست هي كلمة الله الآن؛ ولأن الكتب السابقة أُنزلت على قومٍ معيَّنين لفترةٍ معينة؛ والقرآن الكريم هو المُهَيمن على كل هذه الكتب.
﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)﴾
﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)﴾
القرآن جامعٌ لكل أحكام السماء من بدايات الرسالات حتى يَرثَ الله الأرض ومن عليها:
إذاً: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ هذا الكتاب متميِّز على كل الكتب السماوية السابقة، وعلى كل الكتب التي ألَّفها بنو البشر قاطبةً، ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ بعضهم قال: القرآن جامعٌ لكل أحكام السماء، من بدايات الرسالات وحتى يَرثَ الله الأرض ومن عليها، هذا الكتاب لا للأمة العربية، ولا للمسلمين، هو لكلِّ أبناء الأرض قاطبةً، والله تولى بذاته حفْظَ كتابه؛ والعلماء يُضيفون على ذلك أنه من لوازم حِفظ كتاب الله جلَّ جلاله حفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن سنة النبي مُبيِّنة للقرآن، فإذا ضاع التفسير ضاع الأصل؛ فإذا قلت: إن الله تولّى حفظ القرآن الكريم، معنى ذلك أنه تولّى أيضاً حفظ سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كيف تولّى حفظها؟ عن طريق علماء آتاهم الله قدراتٍ عاليةً جداً فمحَّصوا، ونَقَّبوا، ودققوا، وحفظوا سنة رسول الله الصحيحة.
تولّي الله عز وجل بذاته حفظ القرآن الكريم:
يطمئننا الله عزَّ وجل أن هذا القرآن لن -لتأبيد النفي-لن تصل إليه يد التحريف والتبديل، لن، لذلك قال: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ إذا قرأته لا يمكن أن يتبادر إليك شكّ طفيف أن هذه الكلمة ليست من القرآن، هذا الذي نزل على النبي صلى الله عليه وسلم هوَ هو بين أيدينا، بسوره، وآياته، وكلماته، وحركاته، وسكناته، ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ لأن الله بذاته تولّى حفظ القرآن الكريم، لذلك لا يمكن، لكن ليس معنى ذلك أنه لا تجري محاولات، تجري، بدأها مسيلمة الكذاب، فإذا قرأت ما صاغه، وادَّعى أنه وحي من السماء لأخذك الضحك إلى مكانٍ بعيد.
الإعجاز في القرآن الكريم على أنواع منها:
أيها الإخوة الكرام؛ قد يسأل سائل: ما السبيل إلى أن أؤمن بهذا القرآن أنه كتاب خالق الأكوان؟ السبيل كلمة واحدة: إعجازه، لا يستطيع بنو البشر مجتمعين إلى يوم الدين أن يأتوا بآيةٍ واحدة إطلاقاً، فهذا الكتاب فيه إعجاز، والإعجاز أي أن البشر يَعْجزون عن أن يأتوا بمثله، أولاً: فيه إعجاز إخباري.
﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)﴾
ما كنت لديهم، جاء القرآن الكريم بآيات تبيِّن وتوضِّحُ التاريخ البشري في دقةٍ متناهية؛ في مصر مثلاً كان هناك فراعنة، في حقبةٍ قصيرةٍ جداً حكم مصر ملوك، فالملك الذي عاصر سيدنا يوسف جاء ذكره في القرآن ملكاً فقال:
﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54)﴾
أما الذي عاصر سيدنا موسى كان فرعوناً:
﴿ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51)﴾
دقة بالغة لأن هذه القصص سمَّاها العلماء من إعجاز القرآن الإخباري.
إعجاز القرآن الإخباري يتناول الماضي والحاضر والمستقبل:
قال تعالى:
﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4)﴾
إعجاز القرآن الإخباري يتناول الماضي والحاضر والمستقبل؛ قصة فرعون مع سيدنا موسى، وقصة سيدنا يوسف مع ملك مصر، وقصة أقوامِ عادٍ وثمود جاءت بتفصيلٍ شديد ودقةٍ شديدة، هذا اسمه: الإعجاز في الإخبار عن الماضي؛ وفي القرآن الكريم إخبارٌ عن الحاضر البعيد مكانياً عن رسول الله؛ وفي القرآن الكريم إعجازٌ إخباريٌ عن المستقبل، قال تعالى: ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ *فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ وفعلاً في بضع سنين تزيد عن الثلاثة وتقِلُّ عن التسعة غلب الرومُ الفرسَ في أدنى الأرض، قال بعض علماء التفسير: أي في أخفض نقطةٍ من الأرض، ولم يكن أحدٌ يعلم قبل عشرات السنين أن غور فلسطين أخفض نقطةٍ في الأرض، عُرِفَ بعد اكتشاف أشعة الليزر أن غور فلسطين أخفض نقطة في الأرض إطلاقاً، والمعركة تاريخياً تَمَّت في غور فلسطين، قال تعالى: ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ في القرآن الكريم إعجاز إخباري؛ إخبار عن الماضي، وإخبار عن الحاضر، وإخبار عن المستقبل.
وفي القرآن الكريم إعجاز علمي، الآن اكتشف العلماء علماء الفيزياء أن كل عنصرٍ في الأرض من دون استثناء ذرَّات، وفي الذرة نواة، وحول النواة مسارات، وعلى المسارات كهارب، قال تعالى:
﴿ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)﴾
اِكتشف أن جنس المولود ذكراً كان أو أنثى يحدده الحوين لا البويضة، ولا علاقة للبويضة بتحديد جنس المولود، قال تعالى:
﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46)﴾
﴿وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ الأرض كرة.
﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)﴾
الأرض تدور، تمُرُّ الجبال مرّ السحاب، ثلاثون كيلو متراً بالثانية، كل ثانية تقطع الأرض في دورتها حول الشمس ثلاثين كيلو متراً، في الدقيقة تقطع ألفاً وثمانمئة كيلو متر، في العشر دقائق ثمانية عشر ألف كيلو متر، نحن الآن مشينا عشرين ألف كيلو متر، من بداية الدرس وحتى الآن، ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ﴾ .
الإعجاز العلمي في القرآن الكريم:
منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، وإلى بضع عشراتٍ من السنوات كان يُظَن أن الشمس ثابتة، والكواكب تدور من حولها، على أقل تقدير المجموعة الشمسية تدور حول الشمس، ثم اكتشف أن الشمس تجري، قال تعالى:
﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)﴾
يوجد بالقرآن إعجاز علمي؛ لم يكن على عهد النبي طائرات، ولا صواريخ، ولا مناطيد، قال:
﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125)﴾
[ سورة الأنعام ]
تـرى أنت السحاب سقفاً أبيض، فإذا ركبت طائرةً ترى السحاب من فوق جبالاً، ودياناً، هِضاباً، سهولاً كتضاريس الأرض تماماً، وهذا ذُكِر في القرآن الكريم؛ طبعاً أنا أعطيكم أمثلة على سبيل المثال لا على سبيل الحصر، الإعجاز العلمي في القرآن الكريم الآن أصبح اختصاصاً اسمه: الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، قال تعالى:
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11)﴾
فَهِمَ العلماء أن هذا البخار يصعد إلى السماء ويرجع مطراً، هذا المعنى الذي يتناسب مع معطيات البشر، ثم فهموا أن هذه الموجات الكهرطيسية تصعد إلى السماء فترُدُّها طبقة الأثير، ولولا هذه الطبقة التي تُرْجع هذا البث لما كان هناك إذاعة، ولا نقل صورة عبر الفضاء، ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾ ثم اكتشف العلماء أن كل كوكبٍ في الكون يسير في مسارٍ مُغْلَق، معنى مسار مغلق أنه يَرجِع إلى مكان انطلاقه بعد حين، فالصفة الجامعة المانعة الشاملة لكل الكون أن السماء ذاتُ رجعٍ، ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾ .
طريقة أن تؤمن أن هذا القرآن كلام الله هو الإعجاز؛ الإعجاز الإخباري، الإعجاز العلمي، الإعجاز البلاغي.
﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6)﴾
ألغ (مِن) ليس قرآناً، لأن مِن تفيد استغراق أفراد النوع، ألغ (ما) و (إلا) ليس قرآناً، لأن النفي والاستثناء يفيد الحصر والقصر، لو ألغينا النفي والاستثناء ألغينا القصر، اِحذف (على الله) ما من دابةٍ إلا الله يرزقها، ليست قرآناً، لأن حذف (على) أَلغت الإلزام الذاتي لله عزَّ وجل، قل: الدواب، صار شيئاً محدوداً، (أل) العهد، بعض الدواب، الدواب الأهلية، أما جاءت دابة مُنَكَّرة تنكير شمول؛ قد تقف أمام آيةٍ ترى فيها إعجازاً بلاغياً، هنا استثناء، هنا حصر، هنا قصر، هنا تقديم، هنا تأخير، قال تعالى:
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)﴾
لو قال: نعبد إياك، اختلف اختلافاً كبيراً، إذا قلت: نعبد إيَّاك يا رب، لا يمنع أن نعبد غيرك، أما إذا قلت: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ قدَّمت إياك على الفعل، أي لا نعبد إلا أنت.
﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)﴾
لـو قال: مفاتح الغيب عنده، عنده وعند غيره، أما حينما جاءت عنده قبل مفاتح الغيب أصبح المعنى حصراً؛ الإعجاز العلمي طويل جداً، يحتاج إلى أشهر، الإعجاز البلاغي يحتاج إلى أشهر، الإعجاز التاريخي، الإخباري، إعجاز النظم، شيء مذهل.
فيا أيها الإخوة الكرام؛ طريق الإيمان بهذا الكتاب هو الإعجاز.
أي فعلٍ من أفعال الله هو شهادة الله لنا أن هذا القرآن كلامه:
هناك شيء آخر؛ الذي أنزل هذا الكتاب يشهد لنا أنه كلامه، كيف؟ من خلال التأويل، والتأويل بأدق التعاريف وقوع الوعد والوعيد؛ أي حينما يمحق الله مال المُرابي، محق مال المرابي شهادة الله لهذا المرابي أن قوله تعالى:
﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)﴾
محقُ مال المرابي شهادة الله للمرابي أن هذا القرآن كلامه؛ والشاب الذي يؤمن بالله ويعمل صالحاً ويحيا حياةً طيبة، الحياة الطيبة التي يحياها الشاب هي شهادة الله له أن هذا القرآن كلام الله؛ وحينما تنفِقُ من مالك فيزداد مالك، زيادة المال شهادة الله لك أن القرآن كلام الله عزَّ وجل.
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)﴾
أي فعلٍ من أفعال الله هو شهادة الله لنا أن هذا القرآن كلامه.
﴿ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)﴾
كان هناك توازن قُوى في العالم:
﴿ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)﴾
فحينما أُلْغي هذا التوازن عانت الشعوب ما عانت، عانت الأمَرَّين، وهذا التوازن بين قُوى الأرض كان نعمة من نعم الله العظمى، غفلنا عن هذه النعمة فعرفناها بفقدها؛ كان التوازن نعمةً من نعم الله العظمى، ﴿ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض﴾ توازن القوى، شرق وغرب، اللهمَّ عرفنا نعمك بكثرتها لا بزوالها، لابدَّ من أن نعرف النعم، إما أن نعرفها بوفرتها أو بزوالها.
القرآن كلام الله وحبله المتين ومنهجه للعالمين:
شيءٌ آخر؛ هذا القرآن كلام الله، وحبل الله المتين، والصراط المستقيم، ومنهج ربِّ العالمين، والنور المبين، غنىً لا فقر بعده، ولا غنىً دونه، من أوتي القرآن فهماً وتفسيراً فرأى أن أحداً أُوتي خيراً منه فقد حقَّرَ ما عظَّمه الله عزّ وجل؛ أهل القرآن أهل الله، أنت حينما تأتي إلى بيتٍ من بيوت الله لتتعلم كلام الله لا شيء في حياتك يعلو على هذا الهدف؛ لاشيء، أي أهم ألف مرة من أن تؤدي امتحاناً جامعياً يُبنى عليه مستقبلك، إنك تتعرف إلى كلام الله، إلى منهج الله، إلى افعل ولا تفعل، هذا حرام وهذا حلال، فلذلك يقول الله جلَّ جلاله:
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)﴾
نحمد الله على أن أَوْجد الكون، وفي المستوى نفسه:
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1)﴾
أي الكون كلُّه في كَفَّة وهذا القرآن في كفّة، الكون خَلْقه والقرآن كلامه، لا معنى لخلق الكون من دون منهجٍ تسير عليه؛ يتوضحُ هذا في قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ* خَلَقَ الْإِنْسَانَ﴾ .
ترتيب تعليم القرآن مع خلق الإنسان ترتيبٌ رُتَبي وليس ترتيباً زمنيًّاً:
يا رب كيف تعلِّم الإنسان القرآن قبل أن تخلقه؟ ليس هذا هو المعنى، المعنى أن ترتيب تعليم القرآن مع خلق الإنسان ترتيبٌ رُتَبي، وليس ترتيباً زمنيًّاً، بمعنى أن وجود الإنسان لا معنى له من دون منهجٍ يسيرُ عليه، أنت اِذهب إلى بعض الشعوب، ماذا يعبد شعب في الهند بأكمله؟ البقر، وشعبٌ آخر يعبد الجرذان، لذلك قال الله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾ نحن نعبد الله عزّ وجل، نعبد خالق السماوات والأرض، نعبد الذي بيده ملكوت كُلِّ شيء، نعبد الذي إليه يُرجع الأمر كله، نعبد الذي إذا قال لشيءٍ: كن فيكون، نعبد القوي، نعبد الغني، نعبد صاحب الأسماء الحُسنى، والصفات الفُضلى.
النعم الكبرى التي أنعمها الله عز وجل على الإنسان:
لذلك أحد أكبر النعم بعد نعمة الوجود نعمة الهدى؛ هناك ثلاث نعم؛ نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهُدى والرشاد، يؤكد هذا المعنى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا﴾ من أجل أن تطمئن أن هذا الكتاب الذي بين يديك هو نفسه الكتاب الذي أُنزل على النبي صلى الله عليه وسلم من دون زيادةٍ ولا نقص، قال تعالى:
﴿ وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27)﴾
لا تُبَدَّل، ولا تُغَيَّر، ولا تُحَرَّف، ولا يُضاف عليها، ولا يُحذف منها إطلاقاً، تولَّى الله بذاته حفظ كتابه، ﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ﴾ .
الله تعالى دعا الإنسان ليؤمن به طوعاً ليكون إيمانه اختياراً لا إكراهاً:
أنت حـينما تؤمن طـوعاً تـرقى به، لو أراد الله عـزَّ وجل أن نؤمن به قسراً لفعل، ولـكن هذا لا يُسعدنا، لـو أراد الله أن نؤمن بهذا القرآن قسراً لكان ذلك، ولـكن هذا الإيمان القَسري لا يسعدنا، قال تعالى مخاطباً نبيه محمد:
﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4)﴾
لكن الله دعانا لنؤمن به طوعاً، لنرقى بهذا الإيمان، ليكون إيماننا اختياراً لا إكراهاً:
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)﴾
فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ: آية تدل على إعجاز الله عز وجل في قرآنه:
ربنا جلَّ جلاله رحمةً بنا يقسم قال:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75)﴾
مواقع النجوم لا يعرف معنى هذه الآية إلا من درس الفلك؛ أقرب نجم مُلتهب يبعُد عنا أربع سنوات ضوئية، ما معنى أربع سنوات ضوئية؟ أي ثلاثمئة ألف كيلو متر بالثانية × 60 بالدقيقة × 60 بالساعة × 24 باليوم × 365 بالسنة × 4، هذا الرقم قسمه على مئة، عندنا سيارة نريد أن نصل بها إلى هذا الكوكب، السرعة مئة، ثم قَسِّم هذا الرقم على 24 تعرف عدد الأيام، ثم قسم هذا الرقم على 365، يظهر معنا أننا نحتاج لأن نصل إلى أقرب نجم ملتهب إلى خمسين مليون سنة، خمسون مليون سنة تقود سيارة لتصل إلى أقرب نجم ملتهب إلى الأرض، هذه المجرة الأخيرة، ثلاثمئة ألف بليون، أي ثلاثمئة ألفْ ألف مليون سنة ضوئية؛ لما قال الله عزّ وجل:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)﴾
ما جواب القسم؟
﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77)﴾
جواب هذا القسم إن هذا كلامي يا عبادي.
زوال الكون أهون على الله من ألا يحقِق وعده للمؤمنين:
زوال الكون أهون على الله من ألا يحقِق وعده للمؤمنين:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)﴾
أين الاستخلاف؟ ﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾ أين التمكين؟ ﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ﴾ أين التطمين؟
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)﴾
أين الدفاع؟
﴿ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)﴾
لهم علينا ألف سبيلٍ وسبيل.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)﴾
أين النصر؟ زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعده للمؤمنين.
إضاعة الصلاة واتباع الشهوات تبعد الإنسان عن الله عز وجل:
ولكن:
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)﴾
فلذلك: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ* إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾ .
إذا عرف الإنسان قيمة هذا القرآن لا ينام الليل، لا يغيب عن درس تفسيرٍ واحد، كلام الله دستورنا، منهجنا، نور الله المبين، صراطه المستقيم، حبلُ الله المتين، هو الغِنَى، هو العِز، كلكم يعلم إذا تفوَّق عالم في القرآن الكريم ومات ترتج الدنيا له، لأنه مات لكن أخذ معه كُلَّ شيء، أخذ معه كل الخير، أما أهل الدنيا إذا ماتوا فيتركون كل شيء؛ أما الذين عرفوا الله، وأمضوا حياتهم في الدعوة إليه يأخذون معهم كل الخير، إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً، تعلَّموا القرآن وعلِّموه، اِفهموا أحكامه، ولقنوا أحكامه لأبنائكم، وربوا أبناءكم على هذا القرآن الكريم، وعلى حُبِّ نبيِّكُم، وعلى حبّ صحابته الكرام.
﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2)﴾
يشكك أكثر أعداء الدين في هذا القرآن لأنه جاء به بشر، أنتم يا من تشكّكون بهذا القرآن ألا تتبعوا نبيَّاً من بني البشر؟ ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ هذه سُنَّة الله في خلقه، أنزل الله هذا القرآن على سيد الخلق، وحبيب الحق، أنزله على أمين وحيِّ السماء.
﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)﴾
عبادة الله عز وجل فَحْوى القرآن كُلّه:
هذا الكتاب كله ملخَّصه كلمة واحدة: ألا تعبدوا إلا الله:
﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2)﴾
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)﴾
فَحْوى هذا القرآن كُلّه: ﴿أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ هذه آية تلخيص، يلخِّص الله عزّ وجل لنا قرآنه كله، ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا﴾ .
من عمل أعمالاً صالحة ألقى الله في قلبه الأمن والطمأنينة والسعادة:
قد تنتظر سنوات وسنوات، ولا تستطيع أن تقابل مَلِكاً، لكن ملك الملوك يقول لك: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا﴾ ثمن اللقاء عملٌ صالح، اِجعل عملك صالحاً فأنت مع الله تلقَ الله في الدنيا قبل الآخرة، تلقاه يُلقي عليك أنواره، يُلقي عليك تجليِّاته، يملأ قلبك أمناً وطمأنينةً، يملأ قلبك سعادةً، يملأ قلبك رضاً.
جاءت سيدَنا الصديقَ استغاثةٌ من أحد قواده في بلاد الفرس، في نهاوند، المسلمون ثلاثون ألفاً، والأعداء مئةٌ وثلاثون ألفاً، فأرسل سيدنا خالد إلى سيدنا الصديق يطلب منه النجدة، بعد حين جاءت النجدة، أقل شيء ثلاثون ألفاً مع الثلاثين، أقل شيء خمسون ألفاً، سبعون ألفاً، فكانت النجدة رجلاً واحداً اسمه القَعْقَاع، عندما وصل إليه نظر إليه قال له: أين النجدة؟ قال له: أنا، معي هذا الكتاب اقرأه، فتح الكتاب: "من عبد الله أبي بكر يا خالد لا تعجب أن أرسلت إليك واحداً، فو الذي بعث محمداً بالحق إن جيشاً فيه القعقاع لا يُهزم"، وانتصر الجيش وفيه القعقاع، القرآن يصنع بطولات، القرآن يجعل منك ألفاً، القرآن يجعل منك مئة ألف، أنت واحد، هذه كلها حقائق.
التوحيد فحوى دعوة الأنبياء جميعاً:
لذلك: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ* أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ﴾ فَحْوى هذا القرآن كله: ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ﴾ الأدق من ذلك بل إنّ فحوى دعوة الأنبياء جميعاً من أولهم إلى آخرهم هو التوحيد.
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)﴾
قصص القرآن الكريم أحسن القصص:
ما من مكتبة الآن في الأرض إلا فيها قصص، ساعة تسمى أدباً مكشوفاً، وساعة تسمى أدباً واقعياً، الإنسان في الوحل، الإنسان ساقط، الإنسان شهواني، الإنسان خائن، الإنسان أناني، الإنسان متعجرف، يقول الله عزّ وجل:
﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)﴾
اِقرأ قصة سيدنا يوسف تَسْمُ نفسك، إنسان مبدأ، دعته امرأةٌ ذات منصبٍ وجمال فقال:
﴿ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28)﴾
كان عبداً فجعله الله مَلِكاً بطاعته لله، وقف سيدنا موسى مع الحق، ولم يعبأ:
﴿ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)﴾
وخرج من مصر خائفاً يترقب، وصل إلى سيدنا شُعَيب، وزوَّجه ابنته، وعاد إلى فرعون رسولاً:
﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)﴾
أمران؛ ﴿وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ هذا القرآن الكريم؛ امرأة فرعون آسيا مَثَل أعلى لكل النساء، إن إيمان المرأة مستقلةٌ به عن زوجها، أكثر النساء الفاسقات يقُلن: هكذا يريد زوجي، سوف تُسألين أنت وحدك عن إيمانك: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" فرعون وما أدراكم ما فرعون، الجبار الطاغية ما استطاع أن يحمل امرأته على أن تؤمن به.
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)﴾
قصص القرآن الكريم تغطي جميع الأحوال التي يمر بها البشر:
أيها الإخوة؛ القرآن فيه قصص، من عنده ابن سيئ وقرأ قصة نوح يمتلئ قلبه جبراً، والذي عنده أب سيئ يقرأ قصة سيدنا إبراهيم:
﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي (43)﴾
والذي عنده زوجة سيئة جداً فليصبر عليها.
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)﴾
والتي عندها زوجٌ شرير فلها في امرأة فرعون القدوة، ﴿رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ﴾ والذي يحتل مكانة عَلِيَّة في المجتمع بإمكانه أن يكون صالحاً، قصة ذي القرنين، مكَّنه الله في الأرض وجعله مؤمناً كبيراً صالحاً، والذي لا ينجب الأولاد، سيدنا زكريا، وإذا دخل إنسان السجن ظُلماً، سيدنا يوسف، نبيٌّ كريم دخل السجن، فإذا قرأت القرآن الكريم تجد أن كل قصة دواء، إنسان ظُلِم فرضاً له في سيدنا يوسف أسوةٌ حسنة؛ امرأةٌ عفيفةٌ طاهرةٌ تَكلَّم الناس في عرضها ظلماً وزوراً لها في السيدة عائشة أسوة حسنة؛ كأن قصص القرآن تُغَطِّي كل الأحوال.
﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)﴾
الآيات القرآنية تعطي الإنسان إيماناً فطرياً:
أما إذا قرأت مثل هذه الآيات:
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)﴾
هل يستطيع أحدٌ من بني البشر أن يدَّعي ذلك إلا أن هذا كلام الله عزّ وجل؟ أي أنت بالفطرة إذا قرأت هذه الآية: ﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ﴾ من يستطيع من بني البشر أن يدَّعي ذلك؟ هذه الآيات تُعطيك إيماناً فطرياً، وهذا القرآن في النهاية:
﴿ الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)﴾
الكافر في ظلام، في ظُلُماتٍ بعضها فوق بعض، وأما المؤمن إذا قرأ القرآن فهو على بيّنةٍ من ربِّه، إنه في نور الله عزّ وجل، حتى إنّ بعضهم قال:
﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)﴾
نوَّرها بهذا القرآن الكريم، بيَّن، وضَّح.
أعلى خُلُقٍ على الإطلاق أن يتخلق الإنسان بأخلاق القرآن الكريم:
اقرأ القرآن تعرف أنك المخلوق الأول، اقرأ القرآن تعرف أن هذه الدنيا لعبٌ، ولهوٌ، وزينة، وأن الآخرة هي دار القرار، اقرأ القرآن تعلم أن العمل الصالح هو رأس مالِكَ في الدنيا، اقرأ القرآن تعلم أن أعلى خُلُقٍ على الإطلاق أن تتخلق بأخلاق القرآن؛ سُئلت السيدة عائشة عن أخلاق رسول الله؟ قالت: كان خلقه القرآن، فأنت إذا قرأت القرآن، تلوْتَه حق تلاوته، فهمتَ آياته، تدبَّرْتها، عملت بها، سعدت في الدنيا والآخرة، كنت في ظلام البعد وظلام الجهل، فانتقلت إلى نور العلم والمعرفة، والدعاء: "اللهمَّ أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، من وحول الشهوات إلى جنَّات القربات" فاليوم: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ .
إن شاء الله في الدرس القادم سنتابع قوله تعالى:
﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)﴾
الملف مدقق